كتب : محمد عبد الحميد قيام تركيا اليوم بإسقاط مقاتلة روسية حدث هام وتطور خطير ليس فى سير الأحداث على المستوى السورى فقط بل على المستوى الدولى أيضا وأود فى البداية أن استعرض التصريحات الأولى التى صدرت بعد الحادث لنفهم طبيعتة ودلالته التى يبدو أنها تخرج عن كونه مجرد قيام دولة بإسقاط طائرة دخلت مجالها الجوى ولكنها تكشف عن صراع حقيقى بين القوى الكبرى حول الطريقة التى يجب أن يدار بها الصراع السورى وحجم النفوذ المسموح به
سارع الرئيس الأمريكى أوباما فى مؤتمر صحفى مشترك مع الرئيس الفرنسى أولاند الى إعلان حق تركيا فى الدفاع عن نفسها وأن حلف النيتو مايزال يتلقى المعلومات حول هذا الحادث وفى الوقت الذى لم يكن فيه مؤتمر الرئيس الأمريكى قد انتهى بعد خرج الرئيس التركى اردوجان وتحدث بنفس اللهجة
أما الرئيس الروسى فقد أعلن أن الطائرة الروسية لم تدخل المجال الجوى التركى وأن ماحدث (طعنة فى الظهر ) وسيكون له عواقب وخيمة على العلاقات الروسية التركية ومن شأن هذه التصريحات المتباينة أن تقودنا إلى مجموعة من النقاط الهامة
أولا: وصف الرئيس الروسى للحادث بأنه طعنة فى الظهر ربما يحمل فى دلالته وجود عمل مدبر ومقصود ضد روسيا ليس من قبل تركيا وحدها بل من جانب حلف النيتو بزعامة الولايات المتحدة خاصة أن روسيا دخلت الحرب فى سوريا بمباركة الغرب ثانيا: من المعروف ان روسيا تدعم الأسد وتقاتل هى وايران هناك من أجله ضد التنظيمات المختلفة هناك وربما لايخلو الأمر من حسابات روسية خاصة هناك وروسيا لاتريد أن تخسر هذه المرة حليفا مهما مثل سوريا ولن تكرر دورها السلبى من قبل والذى أدى إلى ضياع حليفين هامين منها هما العراق وليبيا
ثالثا: من ناحية أخرى تركيا لايروق لها التدخل الروسى فى سوريا فبعد أن كانت هى التى تشرف تقريبا على سير العمليات هناك وتدعم فصائل معينة ضد الأسد حتى ينتهى الصراع هناك وفق الحسابات التركية الخاصة جاء التدخل الروسى فى سوريا ليقلب الحسابات التركية رأسا على عقب
رابعا: أدرك الغرب أن روسيا خدعته خدعة كبيرة حينما أقنعته بأنها ستحارب عنه فى سوريا وبارك ضمنيا هذا التدخل الروسى وهو يرى الآن أن الروس يقاتلون لحسابات خاصة هناك وهو الأمر الذى أثار قلق الغرب من تنامى الدور والنفوذ الروسيين خاصة وأن هذه هى المرة الأولى تقريبا التى ترسل فيها روسيا قواتها لتقاتل فى احدي دول الشرق الأوسط وهى المنطقة الهامة جدا بالنسبة للغرب
خامسا : يبدو أن إسقاط هذه الطائرة يصب فى نفس الاتجاه وهو تحذير شديد اللهجة من الدول الغربية لروسيا للكف عن التدخل العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط سادسا: إقدام تركيا على هذا العمل ضد دولة عظمى يحمل فى طياته الاحتماء فى حلف النيتو الذى لن يتركها وحيدة فى مواجهة روسيا وهى تعلم أن الغرب سيعلن أن الاعتداء على تركيا وهى من دول الحلف يستوجب تحرك الحلف لدعمها كما أن ما أقدمت عليه تركيا اليوم هدية ثمينة تقدمها لأوربا من أجل انضمامها إلى الاتحاد الأوربى سابعا : روسيا تدرك أبعاد هذا العمل جيدا وتعلم أن الرد العسكرى ضد تركيا سيثير حلف النيتو ضدها ولذلك سيكون ردها ذكيا ومدروسا
وعلى أى حال فانه بوقوع هذا الحادث فقد بدأ فصل جديد فى الصراع بين الدول الكبرى وربما تكشف الفترة القادمة عن أحداث لم نكن نتوفعها قد تحدث مفاجآت وقد يحاول الجانبان تجنب ا لصدام فى الوقت الراهن فدعونا ننتظر